Tuesday, February 10, 2015

الملكــــة الورديــــة


أنا نور، أبلغُ من العُمر تِسعة أعوام، أنا كبيرة!

في المدرسة، يُحِبّني الجَميع، حالما أَدخُل باحة المدرَسة، يُقبل أصدِقائي عليّ مبتهجين، ويسألني الجَميع عن الميداليات المتدلّيَة من حقيبَتي، ومِن أَين لي بِقرطَيّ الوَرديَين! يُحبني الجَميع لأنّني أيضًا أُساعِد أصدقائي دائمًا، في أداءِ الوظائف البيتيّة صباحًا حينَما ينسَوْن حلّها في البيْت، إنّهم لا يَحرِصون على أداء ما هُو مَطلوبٌ منهُم دائمًا، على عَكسِي أنا، فأنا دائمًا حاضِرة وجاهِزة للمُشاركة في المدرَسة.

أحيانٌ كثيرة، يأتي أصدِقائي لزِيارَتي في البيْت، تُعِدُّ لنا الماما الشوكولاتة السّاخِنة، ونَمرح حينَها كثيرًا، نَلعب ونُغنّي ونَقفز على سَريري حتّى يأخذنا التّعب، أنا أُحبُّ أصدقائِي كثيرًا، وهُم أيضًا لا يَتخلّون عنّي أبدًا!

أنا لَستُ سَعيدةً على الإطلاق اليَوم، الماما قالَتْ: إنّه عليْنا زيارة السيد الطّبيب...
لا شيء هُنا واضح، كلّ ما أراه مُشوّش، أنا لَستُ على يَقين ما الذي يَحدُث بالضّبط، أشْعرُ بالحيْرة، أنا قَلِقة... أمسَكَتْ الماما يدي وأخبَرَتني أنّ علينا سَنذهبُ للتسوّق، أنا أحِبُ التّسوق!
لا أذكر غير أننا وفجأةً، أصبَحنا في عالمٍ آخر، مَمْلكَةُ النَّظاراتْ؛ الجَميع هُنا يُجرِب النّظارات، هنالك العديدُ من الأشكالِ والألوانِ الرّائعة! لديهم الورديّ! صديقَتي فَرح سوفَ تُجَنّ عندما تَرى هذه! كلُ شيءٍ هنا نظيفٌ ويلمَع، اخترت نظارةً ورديةً على أطرافِها بُقعةٌ معدنيةٌ وعليها كتابة غريبة بخطٍ صغير، سأصبحُ الملكةَ الورديةَ إنْ ارتديتُ هذه، "فلنأخذ هذه ماما". لَمْ أخلع النّظارة، لقد أصبحتُ أرى بوضوحٍ وشطارة! جميعُ من في مملكةِ النظارات قرصوا خدودي حينما لبِست النّظارة، وأخبروني أنّني فعلاً الملكة حين ارتديتُها! قالت لي الماما حينَ خرَجْنا؛ إنني سأرى العالم بعيون أخرى من الآن فَصاعِدًا.
استيقظتُ باكرًا لارتداءِ نظّارتي في الصّباح للذّهابِ إلى المدرسة، ولَكِن...
حينما لامَسَتْ قَدَماي باحةَ المدرسة، لمْ يقبل أصدقائي عليّْ، لمْ تأتِ فَرح لِتُجَرّب النّظارة، بَلْ أَخذَتْ تَضحكُ بصوتٍ عالٍ مع الآخَرين، أَصبحَ الجميع يُنادونَني بـ "إم أرْبع عيون". حَزِنتُ كثيرًا، ولكنّني لمْ أخلع النّظارة، فقد أخْبَرتْ أُمّي المعلّمين أنّ عليَّ ارتداءَها خلالَ الحِصَص الدّراسيّة.
لقَد استمعتُ لِحَديثهم عنّي وضَحَكاتِهِم طُوال اليَوم، ولمْ أعُدْ أُطيقُ الَمدَرسة، بَكيتُ كَثيرًا وأَخبرتُ الماما. فَذكّرَتني "لا عليكِ يا ماما، أخبرْتكِ، سَترينَ العالمَ بِعيونٍ مُختَلفة. هَيّا الآن، كوني قويّةً كَما عَهِدتُكِ".
وهَكذا، لمْ يَعُد لديّ العَديدُ مِن الأَصْحاب...
في اليَوم التّالي، طَلَبَتْ مس أمَل مِنّا أن نَكتُب شِعرًا حرّاً عَمّا نُريد، استَخْدمْتُ نَظْرَتي الجَديدَة إلى كُل ما هو حَوْلي لِأكتُب. وفي اليوم التّالي، فاجأتْني مس أمل، لقَد قَامَتْ باختِيار قَصيدتي مِن بيْن كُلّ القصائد بالصّف كَي أُلقيها مُمَثلِةً لصفي في احتفال نِهاية العَام الدّراسي! طِرتُ من الفَرْحة! لقد مَدَحَتْني مس أمل كثيراً وشَكَرَتْني وطَبَعَتْ قُبلتين على خَديّ الإثنين! احزروا ماذا حصل لاحقًا...
لَقد أَقبَل أصدِقائي جَميعًا إليّ واعتَذَروا عمّا بَدَر منهم، واعتَرَفوا بأنّني معَ نَظّارَتي الوَرديّة أصبحتُ أكثَر جَمالاً وإبداعًا. ابتهجت كثيرًا. ومُنذ ذلِك الحِين، أُحبّ نظّارَتي كَثيرًا وأشكُرُها دائمًا لمساَعَدتي على رُؤيَة العَالم بِهذه العُيون الجَديدة، لمْ أعُد أسمع بـ "إم أربع عيون" مُنذ وَقتِها، أَصبَحتُ فَقط نور الَملِكة الوَردِيّة.  

No comments:

Post a Comment